لا يبدو أن تركيا حصلت حتى اليوم على
ضوء أخضر من الروس والأميركيين لشن عملية واسعة النطاق ضد "قوات سورية
الديمقراطية" (قسد)، بهدف توسيع "المنطقة الآمنة" في الشمال
السوري، إلا أن المعطيات تشير إلى أن الجيش التركي لن يتراجع عن خططه في استهداف
هذه القوات مرة ثالثة.
ولم يخرج الاجتماع الذي جمع وزير
الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو مع نظيره وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف،
أول من أمس الأربعاء، في العاصمة التركية أنقرة، بتفاهم معلن حول العملية العسكرية
التركية المحتملة في الشمال السوري.
ولكن لافروف قال في مؤتمر صحافي عقب
الاجتماع إن بلاده "تتفهم تماماً مخاوف أصدقائنا (الأتراك) بشأن التهديدات
التي تشكلها قوى خارجية على حدودهم، بما في ذلك من خلال تغذية النزعات الانفصالية
في المناطق التي تسيطر عليها القوات الأميركية بشكل غير قانوني في سورية".
ووفق تسريبات نشرتها صحيفة "خبر
تورك" التركية، أمس الخميس، عن لقاء جاووش أوغلو مع لافروف، فإن تركيا تلقت
من روسيا تفهماً لمواقفها حيال الهجمات التي تتم من منبج وتل رفعت التي تسيطر
عليها "قسد"، ضد المناطق الخاضعة للنفوذ التركي في شمال سورية، مؤكدة أن
موسكو لم تعترض على الحجج التركية المقدمة.
وأشارت الصحيفة إلى أن "تركيا
أشارت للجانب الروسي إلى وقوع تل رفعت داخل الحدود على مسافة 18 كيلومتراً، ومنبج
على مسافة 28 كيلومتراً، وأن منع الهجمات المسلحة يتطلب تشكيل منطقة آمنة بعمق 30
كيلومتراً"، مؤكدة أن الوزيرين اتفقا على تواصل اللقاءات بين البلدين.
جهود روسية لمناقشة العملية التركية في الشمال السوري
ويبدو من تسريبات "خبر تورك"
أن الجانب الروسي يريد مناقشة أي تحرك عسكري تركي في شمال سورية، في الجولة
المقبلة من مفاوضات أستانة بين الثلاثي الضامن (روسيا، تركيا، إيران) والمقررة في
العاصمة الكازاخية نور سلطان منتصف يونيو/حزيران الحالي.
وفي السياق، تحدثت صحيفة
"حرييت" التركية، أول من أمس الأربعاء، عن أن الاستعدادات مستمرة من أجل
العملية العسكرية المقبلة، على أن تنطلق خلال أسبوع مع اكتمال استعدادات
"الجيش الوطني" التابع للمعارضة السورية، وتحديد الأهداف.
من جهتها، أكدت صحيفة "صباح"
المقرّبة من الحكومة التركية، أن "القوات المسلحة التركية وقوات الجيش
الوطني، أكملا استعدادهما للعملية التي تستهدف تل رفعت ومنبج، بانتظار الأوامر
التي ستأتي من أنقرة".
وأشارت إلى أن "العملية تستهدف
السيطرة على سد تشرين الواقع على نهر الفرات في ريف منبج، من أجل حل مشكلتي
الكهرباء والماء، التي تعاني منها منطقة درع الفرات منذ سنوات".
ووفق الصحيفة، فإن من ضمن أهداف
العملية "إعادة ضريح الشاه سليمان إلى مكانه، وقطع الطريق الواصلة إلى مدينة
عين العرب، بينما تصل القوات التركية وفصائل المعارضة على جبهة تل رفعت إلى مطار
منغ، وصولاً إلى خط نبل والزهراء في ريف حلب الشمالي".
وكانت الحكومة التركية نقلت في عام
2015 ضريح سليمان شاه، والذي يعد رمزاً من رموز الحضارة التركية، لكونه جد عثمان
الأول مؤسس الدولة العثمانية، من منطقة قره قوزاك في ريف حلب عقب سيطرة تنظيم
"داعش" على المنطقة في حينه.
القوات المسلحة التركية وقوات الجيش الوطني، أكملا استعدادهما للعملية
ومن الواضح أن الجيش التركي حسم أمره
حيال عملية عسكرية ثالثة ضد "قسد"، ولكن ينتظر ترتيبات سياسية تقوم بها
الحكومة. وتؤكد تصريحات المسؤولين الأتراك أن أنقرة لن تتراجع عن عملية "تأديبية"
لقوات "قسد"، تحقق من خلالها أكثر من هدف، أبرزها توسيع "المنطقة
الآمنة" التي تضم المناطق التي تقع ضمن النفوذ التركي في شمال سورية لإعادة
نحو مليون لاجئ سوري من تركيا إلى هذه الأماكن.
وكان الجيش التركي شن عمليتين ضد
"قسد"؛ الأولى مطلع عام 2018 في ريف حلب الشمالي الغربي واستحوذ على
عفرين، والثانية أواخر عام 2019 وسيطر على تل أبيض ورأس العين في شرقي الفرات.
ويبدو أن قوات "قسد" تعوّل
على دور روسي لمنع عملية عسكرية في "غرب الفرات" الواقعة ضمن نفوذ
موسكو، خصوصاً منطقة تل رفعت في ريف حلب الشمالي.
وفي هذا الصدد، ذكرت وسائل إعلام تابعة
للنظام أن قائد القوات الروسية في سورية العماد ألكساندر تشايكو اجتمع يوم
الثلاثاء الماضي، مع قائد "قسد" مظلوم عبدي، في نقطة روسية، غربي مدينة
الحسكة، في أقصى الشمال الشرقي من سورية.
ويسعى الروس للحصول على مكاسب من هذه
القوات على الأرض، وتعزيز وجود قوات النظام في الشمال الشرقي من سورية، في مقابل
الوقوف مع هذه القوات ضد أي تدخل عسكري تركي محتمل.
وبات بحكم المؤكد أن ريف حلب الشمالي
ومنطقة تل رفعت ربما ستكون مسرح العملية العسكرية المقبلة، لذا يعمل النظام السوري
على تعزيز قوات له متمركزة في المنطقة إلى جانب وحدات من قوات "قسد".
يسعى الروس لتعزيز وجود قوات النظام في الشمال الشرقي من سورية
وأكد المحلل العسكري النقيب عبد السلام
عبد الرزاق، في حديث مع "العربي الجديد"، وجود تحرك عسكري من قبل النظام
والروس وقوات "قسد" على جبهة تل رفعت.
وأعرب عن اعتقاده بأن منطقة "تل
رفعت ستكون هدفاً من أهداف أي عملية عسكرية تركية مقبلة"، مضيفاً:
"الهجوم على هذه المنطقة هو الأقل كلفة، فضلاً عن كونها خارج النفوذ الأميركي
ولا تعني واشنطن بشيء".
وأوضح أن "الأحزاب الكردية تستهدف
الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية انطلاقاً من منطقة تل رفعت"، مشيراً
إلى أن السيطرة عليها يعني عودة سكانها المهجرين منها والمقيمين في مخيمات في شمال
سورية.
مساعٍ أميركية لتجميد العملية التركية
إلى ذلك، تبذل واشنطن جهوداً لإقناع
الأتراك بالتخلي عن توغل عسكري جديد في الشمال السوري، وفق باربارا ليف، نائبة
مستشار وزارة الخارجية الأميركية، التي أشارت، أول من أمس الأربعاء، إلى أن
العملية المحتملة من قبل تركيا "ستعرّض المهمة الأميركية في سورية
للخطر"، مضيفة: "نبذل قصارى جهدنا لثني الحكومة التركية عن العملية
العسكرية".
وفي ردها على سؤال خلال جلسة للجنة
العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، حول إمكانية تراجع تركيا عن العملية،
قالت: "نحن نعبر عن مخاوفنا، لكن لنكن صريحين فهم (الأتراك) لا
يتراجعون".
وساعد تبدّل الكثير من المعادلات
السياسية عقب الغزو الروسي لأوكرانيا الأتراك في فرض رؤيتهم حيال الأوضاع في
الشمال السوري، إذ برزت حاجة كل الأطراف لأنقرة في سياق الكباش السياسي والعسكري
بين روسيا والغرب.
ولفت المحلل السياسي التركي هشام
جوناي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "المعادلات السياسية في
المنطقة تمر بوضع استثنائي"، مضيفاً: "الغرب يحتاج موافقة تركيا لضم
السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، وعدم انضمام تركيا إلى الدول التي تفرض
عقوبات على روسيا، كل ذلك يقوّي الموقف التركي في سورية". وأكد أن
"تركيا تمتلك أوراق ضغط تمكّنها من القيام بعملية عسكرية في شمال
سورية".
المصدر: العربي الجديد
اكتب تعليقا لتحسين الخدمات